الطفــــــــــــل اليتيـــــــــــــــــم

الطفل اليتيم

في شبه بيت صغير.. على طرف المخيم، تعيش السيدة الطاعنة في السن مع حفيديها اليتيمين: ساره ومحمد وقد اعتصر قلبها الالم وأذاب ما تبقى من جسدها على موت ابنتها الوحيدة الشابة التي كانت ترعاها فأصبحت هي الان تزحف بهيكلها العظمي لتقوم على خدمتهما ورعاية شؤونهما وتتساءل مرعوبة:ماذا سيحدث لهما ان هي فارقت الحياة؟ فالأب أجنبي الجنسية (باكستاني ) غادر إلى بلده الأصلي بعد ان جاء يبحث عن العمل والاستقرار مع الزوجة الموظفة التي كانت تعمل لتؤمن له ولطفليهما العيش الكريم .

كانت مشكلة محمد 9 سنوات همنا الاول، فهو دائم البكاء، لا يتحمل الوضع الجديد وذكريات حنان الام وبيت الاسرة الذي انهار فجأة بموت الام المفاجئ وعندما نقابله ينفجر بالبكاء.

اما سارة الجميلة فتداري مشاعرها وتكتفي بالاصغاء للجدة وهي تكلم الناس عن (ابنتها) وتبكي فتمسح لها دموعها بيدها الصغيرة لا احد يعلم ما يجول بداخل راسها الصغير .لم اشاهد خلال زياراتنا أي نوع طعام سوى الكفاف، واكثر من مرة شاهدت سارة تاكل الزيت مع الزعتر فقط فور عودتها من المدرسة كوجبة غداء، كما لاحظت ان العجوز لا تعطيهما ما يقدمه الناس من مبالغ ضئيلة كمصروف الا بعد دراسة اقتصادية واستشارة حتى لو حاول البعض ان يمنح أحدهما دينارا اخر ليشتري به ما يرغب من الدكان فسرعان ما يناولانه للجدة ، حرصا على التعاون المشترك.

غادرت البيت وانا متأثرة بملاحظاتي خاصة عندما شعرت بتضييق الخناق على الطفلة ذات الخمس سنوات بدافع الحرص والخوف على مستقبلهما، وبسبب ضيق ذات اليد ،تأثرت أكثر عندما رايت العابا قديمة تكدست فوق رف خشبي عال وضعت للعرض فقط كي لا تطالها يد الاطفال بهتتت الوانها من الغبار..! كان بودي ان اصطحب سارة واشتري لها ما ترغب لكن الحذر من حرص الجدة الشديد منعني،فخرجت وبنيتي ان اشتري لها ولأخيها ما يرغب به الاطفال فاتجهت الى اقرب بقالة واثناء تجوالي فوجئت بسارة تدخل فرحة الى الدكان وتتناول قطعة حلوى وتسأل صاحب الدكان: هاي بكم ؟ قيقول لها هذه بربع دينار فتضعها وتختار باكيت شيبس صغيرا: وتسأله فيجيب عشرة قروش الى ان اهتدت لقطعة ثمنها 5 قروش، راقبت المشهد وانا فرحة بحضورها ومتألمة لحرمانها وحيرتها هذه المرأة الطاعنة في السن جعلتها الحاجة الماسة تحسب حساب القرش وتحافظ عليه ولكن ما ذنب الطفلة التي لا تستطيع شراء شيء تتمناه؟ ولا لعبة تحتضنها،اقتربت منها وقلت لها وانا في غاية السعادة لحضورها اختاري ما تشائين. وبدأت اختار معها .

حملت الكيس وهي تتساءل؟ هذا كله لي - ولاخي -فحاولت جاهدة حبس دموعي دون فائدة، هذا الكيس البسيط والمبلغ الزهيد الذي لا يساوي شيئا لكنه ادخل البهجة الى قلب سارة..ومنحني سعادة تمنيتها.

كما تمنيت أن لا نكتفي بالصدقات المادية فقط وان نتذكر طفلا يتيما كلما اشترينا العابا لاطفالنا، وان نزوره لنرى ظروفه وكيف يعيش ونمنحه أبسط ما يحتاجه هكذا علمتني سارة.